دراسة بحثية:

التعليم عن بعد في النظام التعليمي بالمغرب: بين رهان التأسيس القانوني وعائق الفوارق الاجتماعية والمجالية.

Distance education in Morocco's education system: between the bet of legal establishment and the obstacle of social and social differences.

التعليم عن بعد

 

الأستاذ لحسن اوتسلمت
متصرف تربوي
طالب باحث في سلك الدكتوراه
كلية الآداب والعلوم الإنسانية
جامعة القاضي عياض- مراكش

    مفاهيم الدراسة: التعليم عن بعد، اللامساواة الرقمية، التفاوت الاجتماعي والمجالي، السياسات التعليمية، المدرسة المغربية.

        مقدمة:

     كشفت أزمة كوفيد 19 منذ شهر مارس 2020 عن حقيقة واقع أنظمتنا التعليمية، فبين عشية وضحاها وجدنا أنفسنا وبدون استعداد قبلي، نعيش في ظل الإغلاق الكلي للمؤسسات التعليمية والجامعية بالمغرب بفعل إجراءات الحجر الصحي، حيث طُلِب من الأطر التربوية والإدارية والمتعلمات والمتعلمين والطلاب بالمدارس والجامعات والمعاهد، الانتقال من التعليم أو التكوين الحضوري إلى التعليم أو التكوين عن بعد، كإجراء وقائي قصد ضمان الاستمرارية البيداغوجية. فبعد أن أعلنت الحكومة المغربية حالة الطوارئ الصحية بمرسوم قانون ( رقم 2.20.292 ،// والمرسوم رقم  2.20.293) لإعطاء المشروعية القانونية لجميع تدخلاتها على جميع المستويات، وذلك بسبب حالة الاستعجال التي تتطلب السرعة والدقة في التدخل للحيلولة دون انتشار هذا الوباء، وذلك باتخاذ جميع التدابير الضرورية التي تتطلبها هذه المرحلة، بواسطة مراسيم أو مقررات تنظيمية وإدارية، أو مناشر أو بلاغات.

    غير أن الطابع الاستعجالي لتلك الإجراءات والتدابير الرامية إلى محاصرة جائحة كورونا؛ أظهرت في المقابل حجم التفاوتات في نظامنا التعليمي، إذ لم يعد  التعليم متوفّراً للجميع بشكل عادل ومتساوٍ بسبب الإمكانات الضعيفة للبنى التحتية و ضعف توافر  الأجهزة اللازمة لمتابعة عملية التعلّم عن بعد، بالإضافة لتحديات التعامل مع التكنولوجيات الحديثة من طرف الأطر التربوية والإدارية، فضلا عن المتعلمات والمتعلمين. مما دفع إلى مساءلة عملية التعليم عن بعد من حيث السياسات التعليمية والاستراتيجيات التربوية المعتمدة في ضوء التفاوتات المجالية التي يعرفها المغرب سواء داخل المجال الحضري بالمدن الكبرى والصغيرة أو القرى والبوادي. علما أن شدة هذه التفاوتات ليست وليدة اليوم. ذلك أن وجود مكامن الضعف وأشكال الهشاشة البنيوية في نموذجنا التنموي الحالي الذي بلغ مداه، قد شكل عاملا زاد من حدة الصعوبات التي تواجهها بلادنا، نتيجة التأخير الذي تمت مراكمته في تنزيل أوراش رئيسية من قبيل تأهيل المنظومة التعليمية، الشيء الذي أدى إلى ارتفاع نسبة اللامساواة الرقمية، بصفتها تلك الفجوة بين فئات المجتمع فيما يتعلق بفرصها في الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، واستخدامها للإنترنت.

    لقد عمقت جائحة كوفيد 19- من حجم عدم المساواة الرقمية وعدم الوصول للمحتوى الرقمي مما سبب حرماناً للتلاميذ والطلبة في استمرارية التعلم في حالة الطوارئ الصحية، بعدم ضمان دمقرطة الولوج إلى التكنولوجيات الحديثة وضمان الإنصاف في استثمارها في العملية التعليمية؛ رغم المجهود الذي بدل على مستوى النصوص التشريعية  والوثائق والمذكرات ذات الصلة بالمنظومة التعليمية المغربية، بدءا من الميثاق الوطني للتربية والتكوين الصادر سنة 1999، ووصولا إلى القانون الإطار 51-17 الصادر سنة 2019، إضافة إلى التطبيقات و المسطحات والمنصات الإلكترونية التي اعتمدتها وزارة التربية الوطنية، غير أن تجربة التعليم عن بعد خلال جائحة كورونا (كوفيد 19)، كشفت عن ضرورة وضع سياسات تعليمية ذات أفق استراتيجي لتأهيل المدرسة المغربية؛ عبر مأسسة التعليم عن بعد، وتطوير الطرائق التعليمية وإرساء نظام تقويمي فعال ومنسجم مع عملية التعليم والتعلم عن بعد. بشكل يتجاوز جعل التعليم عن بعد مجرد مُسكِّن لظروف الأزمة؛ بل ينبغي التطلع إلى تطويره بجعله عنصرا مكملا للتعليم الحضور، برؤية استشرافية تعتقد جازمة أن مستقبل التعليم يعتمد بشكل مباشر على رقمنته، لأنه أضحى، استنادا إلى تقارير دولية (اليونسكو، البنك الدولي، …) مدخلا جوهريا لسد فجوة الخصاص في الأطر التربوية وفي البنيات والحجرات المدرسية. 

    إن هذا الطموح نحو مأسسة التعليم عن بعد ، يستدعي زيادة الاستثمار في برامج التطوير التربوية المعتمدة على التكنولوجيات الحديثة، انطلاقا من وضع سياسات تعليمية نسقية تمتح من فكرة جوهرية مفادها أن قضية التربية والتعليم  شأن مجتمعي، تقتضي تظافر جهود الدولة و الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية والمقاولات الخاصة، للمساهمة في تمويل منظومة التربية والتكوين، عبر تعاقد وطني جماعي يضمن استدامة تمويل برامج تطوير السياسات التربوية، وبشكل خاص تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، هذا التعاقد يستدعي أن يكون رهانه الفصل بين الفجوة الرقمية  و الفوارق الاجتماعية والمجالية للتلميذات والتلاميذ؛ من منطلق أن مهمة المدرسة هي فك الارتباط بين الفوارق الاجتماعية الأصلية الموجودة بين التلاميذ ومستقبلهم المدرسي والاجتماعي ، إذ لا ينبغي أن تخضع المدرسة المغربية العمومية لتأثيرات الفوارق الاجتماعية، حيث يلج كل طفل المدرسة وهو محمل بإرثه الاجتماعي. كما أن أوجه العجز الاجتماعي التي تتجلى في الفقر، وهشاشة الأسر، وأمية الآباء والأمهات والصعوبات التي يجدونها في تتبع دراسة أبنائهم، من غير المقبول أن تؤثر بشكل سلبي في عملية التعلم داخل المدرسة وبالتالي إعادة إنتاج الفوارق الاجتماعية. لتحقيق هذه الغايات ومن أجل الولوج إلى مجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة، لابد من اعتماد سياسات تعليمية تضمن الإنصاف الرقمي لكل التلاميذ والطلاب سواء تعلق الأمر بالمعدات اللوجستيكية أو الفضاءات أو التكوينات، وفق نموذج لا يتأثر بالفوارق الاجتماعية للتلاميذ والطلاب.

    تنطلق دراستنا هذه من طرح الإشكالية التالية: إلى أي حد استطاع التعليم عن بعد خلال جائحة كورونا تحقيق الرهانات المنتظرة منه بضمان الاستمرارية البيداغوجية بشكل منصف لفائدة التلاميذ والطلاب؟ 

    ومن خلال هذا السؤال الإشكالي المركزي، تتفرع مجموعة من الأسئلة الفرعية الموجهة للدراسة البحثية: 

        • هل ساهمت النصوص التشريعية والمذكرات التنظيمية والوثائق والمنصات المتوفرة حاليا في تجويد عملية التعليم عن بعد وضمان الاستمرارية البيداغوجية بشكل منصف لفائدة التلاميذ والطلاب؟ وهل يمكن اعتبار المقاربة القانونية والتشريعية المدخل الوحيد لجعل التعليم عن بعد جزءا أساسيا في منظومة التربية والتكوين إلى جانب التعليم الحضوري؟

        • هل هناك ارتباط بين الفوارق السوسيومجالية واللامساواة الرقمية التي أعاقت استفادة التلاميذ والطلاب من فرص التعليم عن بعد؟

        • أي مقاربة كفيلة بتجاوز الآثار المترتبة عن الارتباط بين الفوارق الاجتماعية والمجالية واللامساواة الرقمية التي تعيق دمقرطة استفادة التلاميذ والطلاب من فرص وإمكانيات التعليم عن بعد؟

      ستعتمد الدراسة البحثية، على منهجية تحليل المضمون، باستثمار الوثائق والدراسات الكمية التي أنتجت وطنيا ودوليا ذات الصلة بأزمة التعليم عن بعد في ظل جائحة كورونا (كوفيد 19)، في إطار التجربة المغربية، قصد الإجابة عن الإشكالية المؤطرة لهذه الدراسة والأسئلة المتفرعة عنها لتفسير الأسباب والإكراهات، في أفق اقتراح توصيات تعيد توجيه بوصلة السياسات والاستراتيجيات المعتمدة حاليا. 

      في محاولتنا الإجابة عن الإشكالية البحثية للدراسة، سنعمل على تحديد مفهوم التعلم عن بعد وتقاطعاته مع مفاهيم أخرى ذات الصلة (المبحث الأول) باستحضار السياق التاريخي الذي تبلور فيه المفهوم، والمرجعيات القانونية والتنظيمية المؤطرة له، باستحضار التجربة المغربية وذلك في مطلبين. وفي ثنايا هذه الدراسة سنبرز الأسباب والإكراهات التي حالت دون تعميم تجربة التعليم عن بعد في سياق منظومة التربية (المبحث الثاني) وفي إطاره سنركز على العلاقة بين التفاوت الاجتماعي والمجالي واللامساواة الرقمية، ومداخل تحقيق مدرسة العدالة الرقمية التي ينبغي أن لا تتأثر بالخلفيات السوسيومجالية للمتعلم والطالب وذلك في مطلبين.

      المبحث الأول: مفهوم التعليم والتعلم عن بعد وتعدد الدلالات 

      إذا كان التعليم عن بعد نمطا جديدا من التعليم والتعلم، إذ يشكل إفرازا لعصر اقتصاد المعرفة الذي نعيشه اليوم، حيث برز بشكل ملفت في سياق الثورة المعلوماتية المتسارعة في زمن العولمة؛ غير أن الأدبيات التربوية تستخدم مفهوم التعلم عن بعد بمسميات متعددة عند الإشارة إليه، على سبيل الذكر : التعليم الإلكتروني، التعليم المفتوح، تكنولوجيا الإعلام والاتصال في التعليم، ثم التعليم عن بعد، أمام هذا التعدد المفاهيمي سنقتصر على تعريف بعضها في أفق صياغة تعريف تركيبي إجرائي، نعتمده طيلة دراستنا البحثية( المطلب الأول ) وضمن هذا المبحث سنحلل المرجعيات القانونية والتنظيمية المؤطرة له في التجربة المغربية قصد إبراز المنجز وإدراك حدود التجربة المغربية في اعتمادها التعليم والتعلم عن بعد ( المطلب الثاني )

      المطلب الأول: مفهوم التعليم عن بعد من التعدد الدلالي إلى التركيب

       لم یبدأ التعليم عن بعد في العصر الحدیث، بل یمتدّ لأكثر من مئتي عام، وكانتِ البدایة عام 1729 على ید  Caleb Philips حیث كان یقدّم دروسا أسبوعية عبر صحیفة “بوسطن جازیت  “،واستُخدِم الراديو  لھذا الغرض عام 1922 حیث بدأت جامعة بنسلفانیا العریقة في تقديم عدد من المقرّرات عبر جهاز الراديو ثمّ أجهزة التلفزة إذ أطلقت جامعة ستانفورد مبادرة عام 1968 أسمتها ” Instructional Television Network the stanford ” لتقديم مقرّرات لطلّاب الهندسة عبر قناة تلفزيونية، وفي عام 1982 دخل الكومبيوتر المجال التعليمي، وفي عام 1992 كان   الانتشار الأوسع مع ظهور  شبكة الإنترنت، حیث بدأ ظهور أنظمة إدارة التعلّم (LMS). غير أن التحول الكبير في مجال التعليم عن بعد سنشهده المتعلّمین في عام 2002 بإطلاق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مبادرات المقررات المفتوحة (ware MIT Open Course، بإنتاج 2000 مقرّ ر مجانيّ یستفید منه 65 ملیون مستفيد من 215 دولة)، ثم إطلاق أكاديمية خان الدولية سنة 2008، حيث ولوج خدماتها 71 مليون مستفيد . فماذا نقصد بالتعليم عن بعد؟ وما علاقته بالمفاهيم المجاورة له؟

          • مفهوم التعليم عن بعد:  هو نظام تعليمي لم يعرف بشكل رسمي إلا في عام 1982 عندما فسرت اليونسكو اسم الهيئة العلمية للتربية بالمراسلة ( ICCE ) إلى اسم جديد هو الهيئة العالمية للتربية من بعد ( ICCDE )، وتعرف اليونسكو التعلم عن بعد:” بوصفه  عملية نقل المعرفة إلى المتعلّم في موقع إقامته أو بدلًا من انتقال المتعلّم إلى المؤسّسة التعلیمیّة، وھو مبنيّ على أساس إيصال المعرفة والمھارات والمواد التعلیمیة إلى المتعلّم عبر وسائط وأساليب تقنية مختلفة، حیث یكون المتعلّم بعيدا أو منفصلًا عن المعلّم أو القائم على العملية التعلیمیّة، وتُسْتَخْدَمُ التكنولوجيا من أجل ملء الفجوة بین كلٍّ من الطرفين بما یحاكي الاتّصال الذي یحدث وجھًا لوجه.إذاً، التعليم عن بعد ما ھو إلّا تفاعلات تعلیمیّة یكون فیھا المعلّم والمتعلّم منفصلين عن بعضهما زمانیًّا أو مكانیًّا أو كلاهما معًا”من. ومنه فالتعليم عن بعد قد يكون تعلما تزامنيا( وقت حقيقي وأماكن مختلفة) أو تعلما غير تزامني ( أوقات مختلفة وأماكن مختلفة) ويوظف طرق وأساليب التدريس وتقنيات التعليم التي تتصف بالمرونة وتستجيب لحاجات المتعلمين وتناسب قدراتهم والفروق الفردية بينهم. ومن أهم وسائل التعليم عن بعد: المادة المطبوعة، والشفافيات وأشرطة الفيديو والأقمار الصناعية، والحقيبة التعليمية والأقراص المدمجة والإذاعة والأشرطة السمعية والحاسب الآلي والإنترنيت والمؤتمرات الشبكية والهاتف والشاشة الإلكترونية.

          • مفهوم التعليم الإلكتروني: ويسمى أيضا: التعلم الرقمي، التعلم الذكي، التعلم الافتراضي، وهو:” التعليم الذي يقدم فيه المحتوى التعليمي بوسائط الكترونية مثل الأنترنت أو الأقمار الصناعية أو الأشرطة السمعية البصرية؛ ولا یتطلّب ھذا النوع من التعليم وجود منشآت مدرسيّة، أو صفوف دراسية، بل إ نّه یلغي جمیع المكوّ نات المادية للتعليم. ویركّز ھذا النوع من التعلیم على العنصر الثالث من المثلّث التعلیميّ فیما یخصّ المعرفة العلمیّة، عبر توظیف الوسائل التعلیمیّة ووسائل الإیضاح وأدوات الإنتاج، للتمكّن من إیصال المعلومات للمتعلّمین كافّة على اختلاف أنماطھم، لا سیما الفئات العمرية الصغيرة منھم.

        والعلاقة بين التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد هو أن التعليم الإلكتروني هو أساس التعليم عن بعد، وهو أحد نماذج التعليم عن بعد، وليس كل تعليم الكتروني لا بد وأن يتم عن بعد، إذ يمكن أن يتم التعليم الإلكتروني داخل جدران الفصل الدراسي بوجود المدرس، 

            • التعليم الافتراضي: هو التعليم الذي يتم في بيئة افتراضية (الصف الافتراضي) وليس في بيئة التعلم التقليدية، أي ليس في الصفوف الدراسية العادية التي يتلقى فيها الطلاب مع المعلم وجها لوجه، وإنما يتم التعليم الافتراضي عبر موقع معين على إحدى الشبكات كشبكة الإنترنيت. فالتعليم الافتراضي نموذج من نماذج التعليم عن بعد، فكل تعليم افتراضي هو تعليم عن بعد.

            • تكنولوجيا الإعلام والاتصال في التعليم: تشمل كل الأدوات المادية والموارد الرقمية التي يمكن توظيفها لغايات تعليمية تعلمية، وهذه الأدوات قد تستعمل في التعليم الحضوري كما قد تستعمل في التعليم عن بعد، وإن كانت الحاجة إليها في هذا الأخير أشد.

          انطلاقا مما سبق، نعتمد طيلة دراستنا التعريف الإجرائي الآتي لمفهوم التعليم عن بعد، نقصد به تلك العملية التربوية التي تتسم  بغياب التواصل المباشر (الحضوري) بين الأستاذ والتلميذ، إذ يتم بشكل مبدئي عندما توجد مسافة ما بينهما مع حضور وساطة تجمعهما وتنظم تواصلهما تارة تقليدية (رسائل) وأخرى متقدمة (هاتف، تلفاز، أنترنيت…) ويتميز التعليم عن بعد بثلاثة مواصفات : خاصية التباعد(بين المدرس والمتعلم(؛ وسائل التواصل متزامنة أو غير متزامنة؛ التواصل ثنائي الاتجاه.

          وبغض النظر عن تعدد التعاريف المتداولة لمفهوم التعليم عن بعد، فينبغي التأكيد أن التعليم عن بعد يقوم على أساس فلسفة تؤكد حق الأفراد في الوصول إلى الفرص التعليمية المتاحة، بمعنى تقديم فرص التعليم والتدريب لكل من يريد في الوقت والمكان الذي يريده دون التقيد بالطرق أو الأساليب والوسائل الاعتيادية المستخدمة في عملية التعليم التقليدية. ويحتاج التعليم عن بعد إلى توفر شبكة الإنترنت للتواصل من خلالها، وكذلك وجود المتعلم أو الطالب الذي يتابع كل ما يخص المادة التعليمية من خلال مواقع مبرمجة مخصصة لذلك وفق آلية مناسبة لشرح المادة بأسلوب يسهل فهمها والاستفادة منها، أيضا يمكن أن تتوفر حلقات النقاش المباشرة وغير المباشرة بين المتعلم والأستاذ. وبغض النظر عن تعدد المفاهيم يتبين أن التعليم عن بعد يرتبط بأحد طرق التعليم الحديثة، ويختلف عن الطرق التقليدية التي تشترط متابعة الدروس الحضورية في المؤسسات التعليمية والتواصل المباشر بين الهيئة التدريسية والمتعلمين. ويعتمد مفهومه الأساسي على إنتاج مضامين تعليمية رقمية بشكل مهني وجذاب وبيداغوجي، ونقلها عبر شبكة الأنترنت إلى متعلمين يتواجدون في أماكن متفرقة جغرافيا لوجود عائق مادي أو معنوي يحول دون الحضور إلى المؤسسة التعليمية. ويقوم في فلسفته على مبدأ ديموقراطية التعليم وضمان تكافؤ الفرص التعليمية بشكل متساو أمام الجميع وتقريب المعرفة للفئات التي تواجه إكراهات سوسيو مجالية، بل يمكن اعتباره مدخلا لتمكين المتعلمين وأفراد المجتمع بكل فئاته للانخراط في مجتمع المعرفة. فكيف أطرت التشريعات الوطنية مقاربة التعليم عن بعد ضمن سياق التجربة المغربية؟

          المطلب الثاني: المرجعيات القانونية والتنظيمية المؤطرة للتعليم عن بعد في التجربة المغربية

          صحيح أن وباء كورونا فاجأ الجميع، حيث أن اللجوء إلى التعليم عن بعد كان اضطراريا، ولم يتم ترسيم المقاربة بشكل مؤسسي، رغم وجود مجموعة من النصوص والتشريعات الوطنية التي أطرت لمقاربة التعليم عن بعد؛ وقد أولت السياسات العامة للدولة والسياسات العمومية للحكومة، أهمية كبرى لقطاع التربية والتعليم ، باعتباره ثاني قضية تحظى بالأولوية بعد القضية الترابية للمملكة ، وهذا ما أكدت عليه مختلف دساتير المملكة ، خاصة دستور سنة 1996، في الفصل الثالث عشر ” التربية والشغل حق للمواطنين على السواء. ” .  وضمن نفس السياق عمل المشروع الدستوري سنة 2011 على دسترة هذا الحق من خلال مقتضيات الفصول 31، 32، 33 و168، وذلك بنصه في الفصل 31 على أنه “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحق في الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة…”، وكذلك الفقرة الرابعة من الفصل 32 التي أكدت صراحة على هذا الحق. وعند تحليل هذه المقتضيات، خاصة ما جاء في الفصل 31 من الدستور، يتضح بشكل لا يدع مجالا للشك أن الحق في التعليم لابد أن يتمتع به الجميع على قدم المساواة بصرف النظر عن الإمكانيات المادية للمواطن، مما يعني ضرورة استفادة كافة الأطفال بحقهم في التعليم سواء في المجال الحضري أو القروي. من هذا المنطلق، فإن الدولة والمؤسسات العمومية ملزمة بضمان توفير واستمرارية التعليم في كل زمان ومكان. باعتماد مختلف الوسائل ومن بينها إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وهذا ما كان محور اهتمام بدأت معالمه منذ إقرار وثيقة الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999)؛ إذ خصص الدعامة 10 لاستعمال التكنولوجيا الجديدة للإعلام والتواصل، في منظومة التربية والتكوين، وفي إطارها وضح أن الأبعاد المستقبلية للتكنولوجيات سيتم استثمارها في المجالات الآتية على سبيل المثال لا الحصر:

              • معالجة بعض حالات صعوبة التمدرس والتكوين المستمر بالنظر لبعد المستهدفين وعزلتهم؛

              • الاستعانة بالتعليم عن بعد في مستوى الإعدادي والثانوي في المناطق المعزولة؛

              • السعي إلى تحقيق تكافؤ الفرص بالاستفادة من مصادر المعلومات وبنوك المعطيات، وشبكات التواصل مما يسهم بأقل تكلفة في حل مشكلة الندرة والتوزيع غير المتساوي للخزانات والوثائق المرجعية.

            و نظرا لافتقاد الميثاق لآليات مالية لتمويل مشروع إدماج التكنولوجيات الحديثة في التعليم، تم التأكيد على إدماجها في البرنامج الاستعجالي من خلال مجموعة من المذكرات وإطلاق الجيل الثاني من برنامج جيني الذي سيطلق عليه تسمية مشروع (E1.P10) لإدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال ضمن مجال التعلمات باعتبارها دعامة بيداغوجية لتحسين جودة التعليم .

            وتمكين الأساتذة من التكوينات الأساس للانخراط في ” الورش الكبير الاستراتيجية المغرب الرقمي ” . كما أن البرنامج الاستعجالي (2012-2009 ) خصص المشروع العاشر من المجال الأول ( E1.P10 ) لإدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال ضمن مجال التعلمات ، باعتبارها دعامة بيداغوجية لتحسين جودة التعليم. في حين نصت الرؤية الاستراتيجية ( 2030-2015 ) على تمكين كل فصول المؤسسات التعليمية من استعمال الوسائل السمعية البصرية ، وتقنيات الإعلام والتواصل . (الرافعة السادسة و الرافعة التاسعة عشر، المادة: 102).أما القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، فقد أولى عملية إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مجال التعليم أهمية بالغة. حيث نصت (المادة 33) على ما يلي: ” يتعين على الحكومة أن تتخذ جميع التدابير اللازمة والمناسبة لتمكين مؤسسات التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي في القطاعين العام والخاص من تطوير موارد ووسائط التدريس والتعلم والبحث في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي …” . بالإضافة إلى هذه الوثائق أصدرت الوزارة دلائل ووثائق تعنى بإدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال في التعليم كالدليل البيداغوجي لإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم.

            الذي يعد ضمن سلسلة الإجراءات بالموازية للإرساء القانوني والتنظيمي لمقاربة التعليم عن بعد، بإدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال بالمنظومة التربوية، حيث أطلق المغرب منذ سنة 2005 استراتيجية المغرب الرقمي : لماذا تقدم الآخرون وتأخرنا نحن ؟ ( GENIE Généralisation des technologies de l’Information dans l’Éducation ) المسمى اختصار ا برنامج جيني GENIE. إذ راهن البرنامج على تنزيل الاستراتيجية الوطنية لإدماج تكنولوجيا المعلوميات في التعليم وتكوين الأطر التربوية على حسن استعمالها. غير أن التقييم الذي تم بخصوص مدى تنزيلها ، تبين ضعف المنجز  رغم الميزانية المهمة التي تم تخصيصها للبرنامج، وهو ما ورد في تقرير المجلس الأعلى للحسابات بشأن تقييم استراتيجية المغرب الرقمي  بتاريخ 14 فبراير 2014 تحت رقم ( 13/CH05/4)، وفي ضوء هذا التقرير ، أشار إلى ضعف نظام التزامن بين الإجراءات المتخذة فعليا وما ورد من أهداف في الاستراتيجية، وهي: إجراءات التخطيط و التجهيز بالمعدات والتوصيل بشبكة الأنترنيت وتكوين الموارد البشرية وتوفير الموارد الرقمية ، فخلال الفترة ما بين 2006 و 2008 استغرق تركيب معدات التجهيز ما يزيد عن سنة ونصف من نونبر 2006 إلى مارس 2008 ، في حين تأخر توصيل القاعات المجهزة بشبكة الأنترنيت، حيث انطلقت العملية في شهر نونبر 2008 واستمرت لمدة سنة ؛ من ناحية أخرى لم يتم الشروع في عملية اقتناء الموارد الرقمية إلا خلال منتصف سنة 2009، وإلى غاية يونيو 2013 لا تزال هذه العملية مستمرة .

             كما أن استلام الدفعة الأولى من هذه الموارد لم يصبح فعليا إلا في شهر أكتوبر 2010. أي بعد مرور ما يقرب 5 سنوات على الشروع في تنفيذ برنامج تعميم تكنولوجيا المعلومات والاتصال على مؤسسات التعليم العمومي. أما بالنسبة لعملية تكوين الموارد البشرية والمنهجية المحددة لهذه الغاية، فلم يتم تقريرها بشكل رسمي إلا في وقت متأخر بعد صدور مذكرة الكاتب العام للوزارة رقم 44 بتاريخ 2010/02/26، أي بعد مرور أزيد من أربع سنوات على انطلاق المشروع المشار إليه آنفا. وإلى غاية متم شهر يونيو 2013، وعلى الرغم من أهميتها، مازال تكوين كافة الموارد البشرية الضرورية لتنفيذ البرنامج وكذا إعداد برامج التكوين المقررة لذلك بعيد المنال. ومن الجدير بالكر أيضا أثار التقرير قصور الرؤية في مجال اقتناء الموارد الرقمية؛ فضلا عن غياب شبكة معلوماتية موحدة خاصة بمنظومة التعليم. وإدماج محدود للتطبيقات ذات المصادر المفتوحة.

            من خلال ما سبق، يمكن أن نستنتج أن التعليم عن بعد، باعتباره شكلا من أشكال التعلم الذي ينبغي أن تقدمه المدرسة أطرته مجموعة من النصوص القانونية والتنظيمية، غير أن إدماجه في سيرورة التعلم قد عرف تعثرا كبيرا ومن أبرز تجليات ذلك:

                • ضعف إعداد منصات للتعليم عن بعد وتدريب الفاعلين التربويين على استعمالها؛

                • ضعف جودة الموارد رقمية التي تم إنتاجها، حيث تظهر عدم الملائمة مع المناهج والبرامج الدراسية؛ في ضعف الاستعانة بها من طرف المتعلمات والمتعلمين، وذلك بتعويضها إما بتقنية الدروس المباشرة عبر الفايسبوك أو الواتساب 

                •  ضعف تأهيل تكوين المدرسين على بناء سيناريوهات بيداغوجية تستثمر تلك الموارد؛

                • ضعف إكساب المتعلمين والمتعلمات للمهارات الرقمية اللازمة للتعلم الذاتي والتعامل مع التعليم الرقمي وحسن توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصال

              إن هذه المحدودية ، لم تواكب الزخم التشريعي والتدبيري المسكون برهان إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال بوصفها الأرضية الصلبة للتعليم عن بعد، فقد أكدت تقارير الافتحاص الداخلي لوزارة التربية الوطنية سنة 2012 في شأن التقويم الداخلي لمدى استعمال العدة الديداكتيكية ( حواسيب ، موارد رقمية ، أنترنيت .. )  عن وجود أثر إيجابي لمنظومة جيني في المنظومة التربوية رغم التعثرات التي واكبت تنزيله. ويعزى مصدر هذه التعثرات إلى ضعف تأهيل الموارد البشرية القادرة على التدريس باعتماد التكنولوجيات الحديثة في الفصول الدراسية أو عن بعد، وقد كشفت أزمة كوفيد 19 عن محدودية تملك المدرسين للكفايات التكنولوجية ، حيث اقتصر الأمر على المبادرات الفردية التطوعية،  بالإضافة إلى ضعف تملك المتعلمين للكفايات الرقمية التي بإمكانهم استثمارها  للاستفادة من فرص التعليم عن بعد ، بل أكدت  المعطيات  وجود تفاوت واضح في الولوج إلى الرقميات واستعمالها لدى المتعلمين و أسرهم، إذ كشفت تجربة “التعليم عن بعد” على أن المتعلمين المنتمين إلى الفئات الاجتماعية الهشة تقل فرصهم في التعليم الرقمي مقارنة مع نظرائهم من الطبقات الأخرى، الأمر الذي طرح سؤال العدالة الرقمية في علاقتها بالعدالة الاجتماعية والمجالية .

              المبحث الثاني: التعليم عن بعد بين رهانات التفعيل وإكراهات التنزيل 

              أجبرت جائحة فايروس كورونا كوفيد 19- حكومات دول العالم على إغلاق المؤسسات التعليمية مما تسبب في حرمان 89% (أكثر من 1.5 مليار متعلم) من 188 دولة من الوصول إلى المؤسسات التعليمية لتلقي التعليم الحضوري (اليونسكو، 2020). قامت العديد من تلك المؤسسات بخوض تجربة كبيرة غير مخطط لها وهي التدريس عن بعد في حالات الطوارئ من أجل الحد من انتشار الفايروس. التحول المفاجئ للتدريس عن بعد في حالات الطوارئ أدى إلى صدمة وتوتر لدى التلاميذ والطلاب والأطر التربوية، سواء كانت على الصعيد الشخصي أو المهني، لما تحتاجه العملية من جهود مضاعفة، بالإضافة إلى عدم الاستقرار النفسي بسبب تفشي الوباء، بالإضافة إلى عدة معيقات غير عادية للمتعلمات والمتعلمين والطلاب في المدارس والجامعات: كعدم توفر الوقت المناسب، ضعف البنية التحية، عدم ملائمة المحتوى الرقمي.

              التفاوت بين الدول من حيث التطور التكنولوجي واستخدام التكنولوجيا في تطوير شتى المجالات في تلك المجتمعات أدى إلى عدم المساواة الرقمية والعدالة الاجتماعية سواء بين الدول مع بعضها البعض أو داخل الدول نفسها. فقد أسقطت الفرضيات القائمة على أن التكنولوجيا الرقمية تساعد بعض الشيء في تحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية، حيث أنه في الواقع تعمقت اللامساواة الرقمية في التدريس عن بعد في حالات الطوارئ.  المساواة الرقمية والحق في الوصول إلى التعليم إحدى أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (الأمم المتحدة، 2015). إذ أنّ تحقيق المساواة الرقمية في التعليم يعتبر تحدياً كبيراً مما يعيق اعتماد الأدوات الرقمية في التعليم في جميع أنحاء العالم، وتجربتنا المغربية خاصة، رغم وجود إطار قانوني وتنظيمي ينظم إدماج التكنولوجيات الحديثة في التدريس، زيادة على ذلك توفر المغرب على ” استراتيجية التحول الرقمي ” ، غير أن الإنجازات ضلت متواضعة ، مما يدفعنا كباحثين إلى التساؤل عن إكراهات التنزيل ( المطلب الأول ) ، ثم التفكير استشرافيا في مقاربات وتوصيات قد تشكل خارطة طريق لإرساء العدالة الرقمية ( المطلب الثاني ).

              المطلب الأول: إكراهات تنزيل وإرساء التعليم عن بعد في المنظومة التربوية المغربية

              على غرار الأنظمة التعليمية في العالم، تفاجأ نظامنا التعليمي بضرورة الانتقال من التعليم الحضوري إلى الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية في التعليم التي تتجاوز إمكانياتها مسافة حدود الزمان والمكان، وما تتيحه تلك الوسائط من استراتيجيات تدريس لم تكن معروفة من قبل؛ غير أن عنصر المفاجأة لم تترك الفرصة للمسؤولين لتدبير سياسة عمومية استراتيجية تهم إدماج التكنولوجيات الحديثة في المنظومة التعليمية. فقد لجأت إليه وزارة التربية الوطنية في ظل هذه الظروف، إلى اعتماد التعليم عن بعد باعتباره الوسيلة الوحيدة لمتابعة الدراسة وضمان الاستمرارية البيداغوجية في ظل إقفال المؤسسات التعليمية المدرسية أبوابها. والذي أصبح معه الوسيط الرقمي بمنصاته المختلفة والمتنوعة مستودعا يضم المعارف والعلوم والأنشطة الموجهة للتلاميذ والطلبة عن بعد.

              لكن، واقع الحال يكشف عن اختلالات كبيرة تمثلت بالأساس في كون مجال توظيف التكنولوجيا الحديثة في العملية التعليمية لم يستفد منه أغلب تلاميذ وتلميذات ساكنة العالم القروي والمناطق النائية والأحياء الهشة بالوسط الحضري بالمدن، و التي تعاني الفقر والهشاشة، وفي ظل ذلك واجه الفاعلون في قطاع التربية الوطنية مجموعة من التحديات التي أعاقت تنزيل مقاربة التعليم عن بعد بسلاسة لعل أبرزها: 

                  • عدم الاستعداد الفعلي للمدرسين، إذ إن نسبة كبيرة منهم لم تتوفر لديهم الخبرة الكافية للتعليم عن بعد فضلا عن الوسائل اللازمة المرتبطة بالأجهزة التقنية.

                  • عدم استعداد المتعلمين وضعف كفاياتهم الرقمية، بالإضافة إلى جهل شريحة واسعة من الأسر بمقاربة التعلم عن بعد، مما عرض المقاربة لآلية مقاومة التغيير من طرف الآباء والأمهات وأبنائهم.

                  • الاضطرابات المجالية والاجتماعية المرتبطة بوضعية الأسر خاصة الأسر ذات الدخل الضعيف والمتوسط.

                  • شح الموارد الرقمية والتطبيقات التعليمية التي تتوجه للمتعلمين، حيث تتسم في عمومها بعد احترامها للضوابط البيداغوجية.

                  • التحديات التقنية المرتبطة بضعف البنى التحتية للفاعلين الثلاثة في الاتصالات من قبيل: ضعف شبكات الاتصال، الضغط على شبكات الأنترنت مما نتج عنه صعوبة في الوصول إلى الأقسام الافتراضية والموارد الرقمية، جشع الفاعلين في مجال الاتصال الذين استغلوا الأزمة بهاجس ربحي يتجاوز حدود وإمكانيات عدد كبير من الأسر الفقيرة، رغم ما حققته هذه الشركات من أرباح ضخمة قبل وخلال الأزمة .

                  • ضعف التدبير الإداري لمسار التعليم والتعلم عن بعد، نظرا لعدم أهلية أطر الإدارة التربوية، مما صعَّب عملية الإشراف الإداري على مدى تنزيل هيئة التدريس للأنشطة التربوية المرتبطة بعملية التدريس عن بعد في ظل أزمة كوفيد 19.

                غير أن أبرز تحديين واجها اعتماد التعليم عن بعد في المدرسة المغربية هما: التفاوت الاجتماعي والمجالي ، ثم اللامساواة الرقمية.

                    • أولا: التفاوت الاجتماعي والمجالي:

                  من اللافت للنظر في هذه الأزمة هو حضور الأسرة وأهميتها في سيرورة التعلم، حيث تبث بالملموس أن المدرسة امتداد للبيت والأسرة، ومن ثمة يصعب بناء تصور للإصلاح في ظل واقع استقالة الأسرة وعدم انخراطها في مسارات التعلم وسياقات التربية. لقد كشفت أزمة «كورونا» مظاهر عديدة لأهمية الأسرة تتراوح بين حضورها ومساهمتها المباشرة والصريحة، في مواكبة سيرورة تعلم أبنائها بتوظيف مقاربة التعليم والتعلم عن بعد؛ وفي المقابل غياب أسر كثيرة وعجزها عن  المشاركة في التربية والتعليم داخل البيت كفضاء مكمل للمدرسة، بفعل الهشاشة الاجتماعية التي تعاني منها؛ جراء السياسات الاجتماعية التي كرستها الدولة ذات المنحى النيو ليبرالي الذي بموجبها قد استقالت الدولة  من واجب تجويد خدمات المدرسة العمومية، وحياة المستفيدين منها.

                  من هذا المنطلق طرحت مسألة العدالة المجالية بين الجهات، بل بين الوسطين الحضري والقروي داخل نفس الجهة، في ظل جائحة كورونا والمخاوف المشروعة من تعميق الهوة بين مجالات وفئات خاصة في ظل عدم تكافؤ الولوج  لآلية التعليم عن بعد.هذا التخوف أكدته المعطيات الرسمية لوزارة التربية الوطنية، رغم الطابع التفاؤلي الذي ميز خطاب وزير التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث في إحدى جلسات الأسئلة الشفوية مجلس المستشارين؛ فقد أبرز السيد الوزير الإجراءات العامة التي اتخذت لتنزيل التعليم عن بعد، حيث اعتبرها  إيجابية وساهمت في تعويض التعليم الحضوري و ضمنت الاستمرارية البيداغوجية واستدامة التعلمات، وإنجاز العملية التكوينية والتأطيرية للمدرسين .  بحيث إن الحصيلة العامة للفترة التي دامت ثمانية أسابيع تكشف عن إعداد ما يقرب من 6000 مورد رقمي، وعن كون عدد المتابعين لدروسهم من التلاميذ عبر منصات التعليم عن بعد يصل إلى 600 ألف من التلاميذ، كما تبرز هذه الحصيلة استفادة ما يقرب من 23 ألف و290 من أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين وأطر الإدارة التربوية من تكوين عبر بوابة ” e-takwine. بيد أن واقع الحال يسائل هذه الأرقام مقارنة بالحجم الهائل للمتعلمات والمتعلمين  المتعلمين والطلبة والمتكونين؛  استنادا إلى الأرقام الرسمية  فإن عدد المتمدرسين والطلبة والمتكونين يصل إلى ما يقارب من 10 ملايين طالب وتلميذ ومتدرب، ويكفي أن مجموع التلاميذ بالأسلاك التعليمية الثلاث بمؤسسات التعليم العمومي هو 6260444 تلميذ وتلميذة منهم 2854948 تلميذ وتلميذة بالوسط القروي، وهو ما يعني أن ما يمثل نسبة 45.6 % والذين هم في القرى يعيشون في ظروف ستمنعهم من الاستفادة من خدمات الأنترنيت بسبب الوضعية السوسيواقتصادية للأسر والعائلات، هذا مع افتراض جودة واقع الربط الشبكي في الوسطين الحضري و القروي.

                  ففي آخر تقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي رصد حالة حقوق الإنسان بالمغرب  برسم سنة 2020 ، أقر بالمجهودات، التي بذلتها وزارة التربية الوطنية لضمان الاستمرارية البيداغوجية ؛ لكن مع ذلك، برزت مجموعة من الإشكاليات أثرت على الاستمرارية البيداغوجية وعلى التمتع الكامل بالحق في التعليم للجميع في ظل هذه الأزمة الوبائية، أبرزها مبدأ تكافؤ الفرص في الولوج إلى الحق في التعليم للجميع، وهو الأمر الذي أكدته ندوة عن بُعد نظمها المجلس بتاريخ 26 يونيو 2020 ، حول تأثير التفاوتات الاجتماعية والمجالية على مبدأ تكافؤ الفرص لدى المتمدرسين. وخلصت الندوة إلى أن الوسائل المادية واللوجستية المرصودة لم تحد من التفاوتات المسجلة على المستويين الترابي والاجتماعي، فأجهزة التلفزيون، أو الحواسيب أو الهواتف الذكية أو الألواح الإلكترونية أو الربط بالإنترنيت لم يكن متوفرا لجميع التلاميذ والطلبة على اعتبار أن العديد منهم يقطن في العالم القروي أو المناطق النائية وينحدر من أسر فقيرة لا تتوفر على الوسائل التي تمكنهم من متابعة الدروس عن بعد، مما جعلهم غير قادرين على الاستفادة من هذه الخدمة.

                  وضمن ذات السياق، كشف تقرير للمندوبية السامية للتخطيط، أن نسبة الأطفال المتمدرسين الذين لم يتابعوا الدروس عن بعد بتاتا بلغت % 18، وبنسبة أكبر بالوسط القروي) % 29 (مقارنة بالوسط الحضري) % 13 (. وقد شكل غياب أو عدم توفر قنوات الولوج إلى الدروس عن بعد، حسب نفس المعطيات، السبب الرئيسي لعدم متابعة الدروس عن بعد أو لعدم انتظامها بالنسبة لأكثر من نصف الأسر، خاصة الأسر المقيمة بالوسط القروي والأسر المنتمية للفئات الفقيرة. فضلا عن ذلك، برز تفاوت على مستوى الولوج المنتظم إلى الدروس عن بعد، حيث تعتبر الأكثر انتشارا بين الأطفال المتمدرسين في التعليم الابتدائي والإعدادي في التعليم الخاص بنسب تبلغ على التوالي % 81 و% 84 مقابل % 42 و% 48 في القطاع العمومي.

                  لقد سمحت الجائحة بالاعتراف الجماعي والعالمي بالترابط المزدوج بين حرمان تلميذات وتلاميذ وطلاب الأوساط الاجتماعية الفقيرة بالهشاشة الاجتماعية، الأمر الذي استدعى النقاش مجددا حول أهمية إرساء ” دولة الرعاية الاجتماعية ” انطلاقا من مبدأ المسؤولية باعتباره واجبا أخلاقيا على حد تعبير “هانس يوناس “.الذي يندرج تصوره ضمن التصورات الأخلاقية التي تنادي بإعادة الاعتبار للرعاية بمفهومها الشامل، التي تهتم بمصير الأعضاء الآخرين في المجتمع. إن «هذه الرعاية اليومية» تعكس العمل الاجتماعي والأخلاقي، وحماية الآخرين الذين يعيشون الهشاشة وتتحمل المسؤولية تجاههم. تكتب جوان ترونتو: «إن الرعاية ليست مجرد شعور أو استعداد فطري، وليست مجرد مجموعة من الأفعال. إنها تمثل مجموعة معقدة من الممارسات، تمتد من المشاعر الأكثر حميمية مثل ‘التفكير الأمومي’ إلى أفعال غاية في الاتساع، مثل تصميم أنظمة التعليم العمومي « 

                  ترتكز الرعاية، بوصفها مشروعًا سياسيًا، على الديمقراطية التشاركية والمساواة، حينما يتعلق الأمر بالتوزيع العادل لمسؤولياتها داخل المجتمع. ولذلك، فإن الرعاية تحمل معها مشروعًا للعدالة الاجتماعية، بإمكانه تجاوز التفاوتات المجالية والاجتماعية واللامساواة الرقمية التي تعيق عملية التعلم عن بعد في الأوساط ذات الهشاشة الاجتماعية.

                   لقد كانت الفلسفة الموجهة للتعليم عن بعد والتعليم المفتوح هو جسر الهوة وإيصال المعرفة إلى المناطق البعيدة وضمان التعلم مدى الحياة والاستفادة من الإمكانيات الهائلة لوسائل الإعلام العمومية ووسائط التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الرقمية. إلا أنه بسبب تعثر المشاريع التنموية والبرامج الاستراتيجية، غالبا ما يكون المتضرر الأساسي هي الفئات الاجتماعية الهشة والمناطق الجغرافية المعزولة، فحرمان نسبة مئوية مهمة من تلميذاتنا وتلامذتنا قد يؤدي إلى مزيد من الهدر المدرسي. وهذا ما يضرب في عرض الحائط مبدأي الإنصاف وتكافؤ الفرص هذا علما أن إحدى الدراسات أكدت وجود ترابط بين المستوى التعليمي للآباء والأمهات ومدی تحقق فعالية الاستمرارية البيداغوجية مما يؤكد نظرية الرأسمال الثقافي ما سماه بيير بورديو إعادة الإنتاج، فمن خلال الدراسة التي أنجزت بأكاديمية سوس ماسة حول التعلم عن بعد والاستمرارية البيداغوجية، بيّنت وجود توجد علاقة ارتباطية وفروق دالة إحصائيا بين المستوى التعليمي للآباء واستمرار الأبناء في التعلم عن بعد. فكلما ارتفع المستوى التعليمي للآباء كلما ارتفع عدد الأيام المخصصة للتعلم لدى التلاميذ وهو ما يبرزه اختلاف معدل أيام التمدرس باختلاف المستويات التعليمية للآباء.

                  إذا كانت الوثيقة الدستورية لسنة 2011 قد أكدت  استفادة المواطنين والمواطنا ت من تعليم جيد على قدم المساواة، بوصفه حقا دستوريا تتحمل فيه الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية مسؤوليتها؛ فإن  الفصل 32 من الدستور الذي يؤكد على أن التعليم حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة، وأن هذه الأخيرة مسؤولة على العمل من أجل الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية، وذلك بهدف تجاوز التفاوت الكبير الحاصل بين التلميذات والتلاميذ الذين يملكون الوسائل التقنية لمتابعة الدروس، ونظرائهم من الفئة الفقيرة والهشة الذين تعوزهم هذه الوسائل، وأدناها الهاتف الذكي، كما لا تسمح شروط السكن لأغلب الأطفال بالانعزال في غرف فردية لإنجاز أعمالهم والتفكير في جو من الهدوء. ومن بين الإكراهات الحقيقية التي واجهت عملية التعليم عن بعد عدم تكافؤ الفرص بين المتمدرسين إما بسبب التفاوت المجالي بين مناطق الوطن، حيث نجد مناطق عديدة تحسب على الوسط القروي غير مرتبطة بشبكة الأنترنيت مما يعزلها كليا عما يجري في دواليب الوزارة وتدابيرها ويحرم أبناءها من الاستمرارية البيداغوجية. وإما بسبب الفقر والهشاشة الاجتماعية وما يخلقه من تفاوت طبقي يحرم عددا من المتمدرسين من متابعة الدروس عن بعد.

                  وبناء على ما سبق يمكن القول أن  التعليم عن بعد لم يستجب لخيار ومبدأ تكافؤ الفرص الذي بنيت عليه الرؤية الاستراتيجية 2015 / 2030 ، سيما في العالم القروي، نتيجة غياب التفاعلية في التدريس عن بعد، وعدم مراعاة الخصوصية السوسيولوجية للأسر المغربية، وانعدام تكافؤ الفرص في التجهيزات الرقمية، مع بقاء التجربة في منطق التطوع والمبادرة الشخصية دون استراتيجية واضحة المعالم .لقد كشفت الجائحة عن خصاص هيكلي في ما يخص استعمال الوسائل التكنولوجية في العملية التعليمية عن بعد، بما فيها المنصات الرقمية، باعتبارها وسائل يمكن أن تشكل مصدر انفتاح على العالم وأداة للتعلم. مما فرض ضرورة التفكير في الاستعمال الجيد لهذه الوسائل حتى تكون بديلا ناجعا في مثل هذه الأزمات التي يفرض فيها الحجر عن الأفراد. 

                  إن التفاوت المجالي والسوسيوثقافي، يؤثر ويتأثر بالفجوة الرقمية، التي تكرس اللامساواة الرقمية بين المتعلمات والمتعلمين، تبعا للتفاوت الاقتصادي والمجالي. 

                      • ثانيا: اللامساواة الرقمية:

                    يمكن للتكنولوجيات أن تساعد في جعل عالمنا أكثر إنصافا وأكثر سلما وأكثر عدلا. ويمكن للإنجازات الرقمية أن تدعم كل هدف من أهداف التنمية المستدامة الـسبعة عشر وأن تعجّل بتحقيقها – بدءاً من إنهاء الفقر المدقع إلى الحد من وفيات الأمهات والرضع، وتعزيز الزراعة المستدامة والعمل اللائق، وتحقيق إلمام الجميع بالقراءة والكتابة. لكن التكنولوجيات يمكن أيضا أن تهدّد الخصوصية وأن تؤدي إلى تقلص الأمن وتفاقم عدم المساواة. وفي علاقة ذلك بقطاع التربية والتكوين، فإن فلسفة التعليم عن بعد جاءت من أجل دمقرطة التعليم وتقليص الفجوة التعليمية بين الفقراء والأغنياء، غير أن واقع الحال يؤكد أن الهشاشة الاجتماعية للأسر تؤثر على مستوى تعليم أبنائها نتيجة اللامساواة في الرساميل، هذه الأخيرة التي يتغير مدلولها بمرور الزمن، وهو ما حذا ب”توماس بيكيني” في كاتبه “رأس المال في القرن الواحد والعشرين إلى توصيف أشكال اللامساواة” ومظاهر تطورها منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى اليوم. مشددا على تفاقم دائرة اللامساواة واتساعها في ظل الثورة الرقمية، بل يعتبر أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء سيمضي في الاتساع مستقبلا. إذ يشكل موضوع اللامساواة العمود الفقري لهذا الكتاب، ويرى من خلاله أن “في كل المجتمعات يمكن تفكيك اللامساواة إلى ثلاثة أشكال، ومن بينها اللامساواة في الرأسمال ” الثرورة” ويعد امتلاك المهارات والوسائل الرقمية في ظل الحتمية التكنولوجية، جزء من هذا رأس المال، باعتباره “ثروة لامادية”، ويمكن تصنيفه ضمن رأس المال الثقافي حسب تعبير بيير بورديو. إذ سيؤدي تركيز رأس المال الرقمي لدى فئة معينة دون أخرى إلى امتلاكها لمكانة اجتماعية وهيمنتها على الطبقة الفاقدة لهذا رأس المال. وبالتالي ترسيخ تفاوت طبقي رقمي واتساع الهوة بين الطبقتين، ولكن ليس بالمدلول الماركسي الذي يحيل إلى ملكية الوسائل المادية للإنتاج، ولكن ملكية الوسائل الرقمية اللامادية واحتكارها من لدن فئة دون أخرى، وهذا ما يدل عليه مفهوم “اللامساواة الرقمية”.

                    لذلك تقوم “اللامساواة الرقمية” على تركيز امتلاك المهارات والمعار ف والوسائل الرقمية لدى فئات اجتماعية محددة دون غيرها، وهو ما سيمكنها من إبراز تميزها في مجالات التعلم والعمل والاقتصاد ومراكمة باقي أنواع الرأس المال الأخرى (الاقتصادي، الاجتماعي) وبالتالي تحقيق مكانة اجتماعية أرقى في المجتمع. 

                    نشر الباروميتر العربي يوم 29 شتنبر 2020، دراسة حديثة حول الانقسام الرقمي في 12 دولة عربية، مؤكدا أن أوجه انعدام المساواة في العالم العربي لا تزال واضحة وبارزة. وأوضح الباروميتر العربي الذي يعتبر شبكة بحثية مستقلة وغير حزبيّة، تقوم بإجراء استطلاعات للرأي العام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2006، أن المغرب يحتل المرتبة التاسعة عربيا من حيث استخدام الأنترنيت، إذ يبلغ عدد المغاربة الذين يستخدمون الشبكة العنكبوتية العالمية، 67 في المائة أي  أن أكثر من 3 من كل 10 أشخاص في المغرب (31 بالمئة) لا يستعملون الأنترنيت إطلاقا، فيما تصل هذه النسبة في الكويت التي تحتل المرتبة الأولى إلى 97 في المائة.

                    كشف انتشار فايروس كورونا عن طبقات جديدة من عدم المساواة الرقمية في التدريس عن بعد في ظل الطوارئ التي أعادتنا إلى المربع الأول في الفجوة الرقمية الشاملة. إذ تم الكشف عن مجالات متنوعة في اللامساواة الرقمية في التدريس عن بعد في حالات الطوارئ والتي شملت:

                        • الأجهزة والبرامج والاتصال بالإنترنت: ليس لجميع العائلات العدد الكافي من الأجهزة التكنولوجية مقارنة مع عدد الأبناء الملتحقين في المدارس والجامعات. إنّ افتراض أنّ كل متعلم أو طالب لديه التكنولوجيا اللازمة والوقت والتحفيز والدعم للمشاركة في التعلم عن بعد ليس ببساطة واقعيا.

                        • محتوى هادف وعالي الجودة وملائم ثقافيًا باللغة العربية واللغات الأجنبية: فالمحتوى المقدم عبر التدريس عن بعد في حالات الطوارئ لا يناسب التلاميذ بيداغوجيا وتفاعليا، إذ تفتقر أغلب الدروس للشروط البيداغوجيا للتعلم عن بعد.

                        • الأساتذة الذين يعرفون كيفية استخدام الأدوات والموارد الرقمية: نسبة كبيرة منهم غير قادرين على استخدام الأدوات الرقمية في التدريس مما ينعكس سلباً على ضبط الصف الرقمي عبر التدريس عن بعد في حالات الطوارئ.

                        • عدم قدرة أولياء الأمور على متابعة أبنائهم في النموذج الجديد للتعليم، إنّ عدم قدرة أولياء الأمور على مساعدة الأطفال في واجباتهم المدرسية في المنزل تعتبر قضية لامساواة مهمة جدا وخاصة أنّ العديد من العائلات تقوم بمساعدة أبنائها على الواجبات المدرسية في التعليم التقليدي، هذا يمثل تحدياً كبيراً آخر لعملية المساواة الرقمية.

                      هكذا، فقد أدى اللجوء الاضطراري لعملية “التعلم عن بعد” في التجربة المغربية إلى إبراز  وجود فوارق رقمية مخيفة تعيق تكافؤ فرص بين جميع المتعلمين في التعلم والنجاح والارتقاء الذاتي والاجتماعي، وهو واقع يفرض بالضرورة الحاجة إلى إعادة صياغة السياسة التربوية بالمغرب على مبدأ الإنصاف الرقمي، في أفق تحقيق مدرسة العدالة الاجتماعية  التي ينبغي أن يكون من بين رهاناتها الفصل بين الأصول الاجتماعية للتلميذات والتلاميذ والطلاب وبين النجاح المدرسي، بحيث أن هذا الأخير لا ينبغي أن يتأثر بحجم الفوارق الاجتماعية المدرسة إذ ينبغي  أن تساهم في تعزيز الارتقاء الاجتماعي للفرد، وليس إعادة إنتاج  الفوارق من خلال توفيرها لتربية غير دامجة وغير منصفة. فما السبيل إلى تحقيق مدرسة العدالة الاجتماعية القائمة على العدالة الرقمية بوصفها مدخلا لتحقيق نجاعة التعليم عن بعد؟

                      المطلب الثاني: العدالة الرقمية مدخل لإرساء مقاربة للتعليم عن بعد منصفة وذات جودة  

                      إذا كانت الفرص لا تأتي إلا على ظهر أزمة، فإن أزمة كورونا بالرغم من كل المآسي التي ألحقتها بالإنسانية، فإن هذه الجائحة العالمية، بالقدر الذي أربكت فيه العالم، دفعت الخبراء ومراكز الأبحاث إلى مساءلة منطلقات الجائحة وآثارها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بل والبحث في الفرص التي تتيحها، من منطلق أن التطور غير ممكن بدون أزمات. فالأزمات رغم أنها مربكة إلا أنها تزيد من الفرص؛ إن التهديدات العظيمة جداً هي نفسها مصدر الفرص العظيمة جداً. هكذا يقول أصحاب الدراسات الاستشرافية؛ إن أكثر الناس يرون في الأزمات تهديدات ومخاطر فقط، والحقيقة هي أن في الأزمات فرصا؛ الأزمة فرصة ولحظة ضرورية لظهور الأشكال الجديدة للوجود والحياة والوعي. علم الفلك يعلمنا أننا نحتاج إلى انتظار ملايين السنين لنحظى بأزمة/فرصة تُحدِث تغييراً في الكون وتُنْتِج أشكالا جديدة للوجود. وعلوم الحياة تعلمنا أننا نحتاج إلى انتظار آلاف السنين لنحظى بأزمة/فرصة تُحدِث تغييراً في الطبيعة وتُنْتِج أشكالا جديدة للحياة. ودروس التاريخ تعلمنا أننا نحتاج إلى انتظار مئات السنين لنحظى بأزمة/فرصة تُحدِث تغييراً في حياة الأمم والشعوب وتُنْتِج أشكالا جديدة للوعي.

                      استنادا إلى هذا البراديغم التفاؤلي، نقول أن أزمة جائحة كورونا، تشكل فرصة تاريخية لتطوير أنظمتنا التعليمية للدفع بها نحو مزيد من الدمقرطة، بإرساء نظام تعليمي قائم على المساواة الرقمية وتحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص في مجال الاستفادة من الخدمات التعليمية ذات جودة، تضمن لجميع التلاميذ والطلاب الاستفادة من  فضائل التعليم عن بعد، باعتباره جزءا من التعليم الإلكتروني الذي لا يجادل أحد في أهميته في عالم اليوم، إذا ما تم  تصميمه بشكل جيدا، ليشكل دعامة قوية وتعليما أساسيا مكملا للتعليم الحضوري. 

                      فلا يمكن تنمية الرأسمال البشري إلا بواسطة تربية تقوم على أركان العدالة الثلاثة وهي العدالة اللغوية، والعدالة المعرفية والثقافية، والعدالة الرقمية. إن هذه الأخيرة، ينبغي أن تكون رهانا للسياسات العمومية المرتبطة بقطاع التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين المهني، فلا يعقل أن جزءا كبيرا من المدارس لم تُزَودّ بعدُ بالكهرباء. ويترتب عن هذا أن جيلاً كاملاً من القرويين ولد في عصر الرقميات، ولكنه لا يستفيد منها. وزيادة على ذلك، فقد ولج أغلبية الشباب إلى العالم الرقمي بطريقة تلقائية، دون أن يتعلموها في المدرسة. والحال أن هذه الأخيرة تتطلب أن يتوفر التلميذ على قدرات معرفية، تُكْتَسب في المدرسة، لمعالجة المعلومات وتحليلها، وتصفح المواقع الإلكترونية بتمكن وبروح نقدية.

                      إن الرهان الذي يشكله الإنصاف الرقمي، يفرض على النظام التربوي أن يأخذ بعين الاعتبار التكوين والتربية على الثقافة والكفايات الرقمية. فعندما لا توفر المدرسة هذه الكفايات، تتعمق الفوارق ليس فقط بين المتوفرين على الوسائل التكنولوجية (حواسيب، هواتف ذكية، لوحات إلكترونية …) فحسب، بل أيضا بين أولئك الذين اكتسبوا الثقافة والسلوك المدني الرقمي والذين لم يكتسبوهما.

                      إن إعطاء التربية الرقمية للجميع مكانة مهمة، يتطلب تطوير محتويات بيداغوجية على غرار البلدان الأسيوية التي اتخذت من الرقميات وسيلة لتحقيق الجودة والإنصاف التربويين. وفي سياق عجز التربية المترسخ أكثر في العالم القروي وفي المناطق المحرومة، يصبح الرقمي رافعة لتحسين جودة التعلمات، والتمكن من قاعدة الكفايات الأساسية، والتي تعتبر ضرورية لتحقيق الجودة والإنصاف التربويين. ويمكن لهذه الوثبة التكنولوجية، أن تشكل، بالنسبة لبلد كالمغرب، فرصة سانحة لاختصار الطريق نحو نموذج التنمية البشرية المستدامة الذي سيدفع به نحو المستقبل.

                      بتقدير الخبراء فإننا نعيش اليوم موجة الاقتصاد الرقمي، وهي مرحلة متقدمة من الرأسمالية المعرفية؛ وبالتالي فنحن بحاجة إلى إدراك التغييرات التي تفرضها التحولات الرقمية وأنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي على الحياة السياسية والاقتصادية، والاجتماعية للأفراد، والمجتمعات، والأمم. هذا الواقع الجديد يفرض علينا اليوم ومن دون تأخير الإعداد الجيد لنظام تعليمي، يوفر فر ص استثمار التعليم الإلكتروني بوصفه عماد مستقبل الأنظمة التعليمية، وخيارا استراتيجيا لا محيد عنه. بإمكانه أن يساعد في تجاوز مجموعة من الإكراهات المرتبطة بالمنظومة التعليمية بالمغرب من بينها: 

                          • سيرفع من جودة التعلمات، ويسهم في تحقيق دمقرطة التعليم وتكافؤ الفرص؛

                          • اختزال زمن التمدرس، وتجاوز كثير من الإشكالات التي تعانيها المدرسة التقليدية من قبيل الاكتظاظ والهدر المدرسي؛

                          • التعليم عن بعد سيمكن أولئك الذين لم تسمح ظروفهم الاجتماعية من مسايرة التعليم الحضوري، خصوصا فتيات العالم القروي اللواتي يجبر عدد منهن على مغادرة الفصل الدراسي لأسباب يختلط فيها ما هو اجتماعي اقتصادي بما هو عرفي ثقافي.

                          • سد الخصاص من أطر هيئة التدريس 

                          • تقليص حجم الاستثمار في البنيات والحجرات المدرسية 

                          • إتاحة التنمية المهنية للأطر التربوية والإدارية في أماكن وجودهم دون عناء التنقل 

                          • بالنسبة للتلاميذ والطلاب فسح المجال أمامهم للتعلم الذاتي والتركيز على مواد دراسية تلبي حاجاتهم ولا تستنزف طاقتهم في دراسة مواد لا يحتاجون إليها.

                        ومنه، فإن التكنولوجيا ذات الصلة بالتربية والتعليم تعتبر مخرجا ومنفذا أساسيا في الأوقات الصعبة وحالات الطوارئ، فضلا عن الأوضاع العادية، لذلك لابد من السعي لتوفير بنية تحتية تكنولوجية متوفرة بشكل منصف لفائدة كل التلاميذ والطلاب، عبر نهج سياسات عمومية ذات أفق إستراتيجي متمركزة حول المحاور التالية: 

                            • جعل التربية والتعليم محور السياسات الجهوية بتفعيل الاختصاصات الذاتية للجماعات الترابية (الجهوية، مجالس الجماعات)، بسن سياسات تعليمية ذات طابع ترابي تنطلق من الحاجات الجهوية قصد سد الفجوة الرقمية بين الجهات الفقيرة والجهات الغنية مع إعمال آلية التضامن بين الجهات.

                            • هندسة إصلاح تربوي تعليمي شامل عبر إعادة هيكلة الإدارة على أساس اللامركزية واللاتركيز أو اللاتمركز وذلك من خلال نقل جل الاختصاصات من المركز الى الأكاديميات والمديريات الإقليمية والمؤسسات التعليمية مما قد يساعد على السرعة في التقرير والبث والتقييم والتنفيذ المطلوبة في كل العمليات الإصلاحية وهذا ما سيرفع الإدارة التربوية لتكتسب صفات العقلانية والحداثة، عبر تعزيز استقلالية المؤسسات التعليمية على قاعدة التعاقد وربط المسؤولية بالمحاسبة على غرار الأنظمة التعليمية التي جعلت الجماعة الترابية شريكة للمؤسسة التعليمية في تدبير شؤونها.

                            • توفير ميزانية استثنائية لتجهيز المؤسسات التعليمية بتقنيات الإعلام والتواصل الحديثة وتطوير العدة البيداغوجية الرقمية، عبر فرض ضريبة تضامنية على الشركات الكبرى والمقاولات العمومية التابعة للدولة، لتمويل برنامج التحول الرقمي بالمؤسسات التعليمية وفق رؤية متوسطة المدى، جوهر هذه الرؤية تجهيز المتعلمات والمتعلمين والطلاب بأدوات تكنولوجية تضمن الإنصاف الرقمي لهم بشكل يسمح لهم بالولوج إلى خدمات التعليم عن بعد.

                            • تكوين الأطر التربوية والإدارية، بتفعيل قرار التكوين المستمر، طيلة الموسم الدراسي بناء على حاجات الأطر التربوية والإدارية ، بالإضافة إلى إدماج التكوين في مجال التكنولوجيات الحديثة ذات الصلة بالتعليم عن بعد في التكوين الأساس بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين لفائدة الأطر التربوية المتدربة .

                            • إعادة الوضع الاعتباري للمدرسة بجعلها محور السياسات العمومية، وتجاوز خطاب النهايات الفلسفية القائلة بنهاية المدرسة والمدرس والمقررات الدراسية – عن وظائفها التربوية والقيمية في الحفاظ على خصوصيات الهوية في مواجهة الهجمة المتجددة للاستعمار الجديد في صوره وأنماطه المتوحشة. زمن تعميم مبدأ التسليع الذي يرى في التربية صناعة، وفي المدرسة مقاولة، وفي المتعلمين زبناء، وفي المعلمين أجراء غاية الكل الاستثمار الربحي المادي الصرف. إن على المدرسة المستقبلية عندنا أن تربح رهان أسئلة المعنى والجدوى في عالم العولمة وشقائها وشيوع قيم الاستهلاك المفرغ الإنسان من سماته الروحية والجمالية. وذلك حتى لا يكون الهاجس التقنوي مفرغا للتعليم والتعلمات من أبعادها القيمية الأخلاقية المتجذرة في الفطرة البشرية.

                          خاتمة

                          لقد أكدت جائحة كوفيد 19، أن التعليم عن بعد لم يعد ترفا، بل أصبح ضرورة وشرطا لمواجهة حالات الطوارئ، خصوصا مع ما يتهدد العالم من أوبئة قد تفرض على الدول مزيدا من التباعد الجسدي. خاصة أن المعطيات الحالية تفيد بتجدد سلالات كورنا كوفيد 19، مما يشكك في مسألة العودة إلى الحياة الطبيعية قبل الجائحة، خصوصا على المدى القريب والمتوسط.

                          من هذا المنطلق فالدول وأنظمتها التعليمية مدعوة اليوم إلى إرساء المدرسة الرقمية والتجهيزات والوسائل المتعلقة بها، فضلا عن الموارد البشرية التعليمية والطرائق الديداكتيكية المستعملة لنقل المعرفة واستثمارها عبر تلك الوسائط التكنولوجية.

                          فلا تنمية للمجتمع اليوم في عصر اقتصاد المعرفة، بدون ربح رهان مدرسة المستقبل المؤسسة على التكنولوجيا الرقمية المعززة للمدرسة التقليدية والمكملة لها .

                          قائمة المراجع :

                              • مراجع باللغة العربية :

                                • جون فرانسوا بارمنتيي ، ترجمة مصطفى حسني 4سيناريوهات للتعليم عن بعد، 

                                • توماس بيكيتي، رأس المال في القرن الواحد والعشرين، ترجمة وائل جمال وسلمى حسين. 

                                • أحمد أوزي، بيداغوجية فعالة ومتجددة، كفايات التعليم والتعلم للقرن الحادي والعشرين منشورات مجلة عالم التربية ط 1 سنة 2017

                                • حذيفة مازن عبد المجيد و مزهر شعبان العاني التعليم الإلكتروني التفاعلي، مركز الكتاب الأكاديمي، الطبعة الأولى 2015

                                • فيليب ميريو، الحجر الصحي يفجر التفاوت واللامساواة في التعليم عن بعد، ترجمة يحيى بوافي 2020.

                                • القوانين والوثائق الرسمية: 

                                  •  ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور نشر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر الصادرة بتاريخ 30 يوليوز 2011

                                  • القانون الإطار 51-17 غشت 2019

                                  • الميثاق الوطني للتربية والتكوين 

                                  • الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 

                                  • الدليل البيداغوجي لإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الدرس الفلسفي، المختبر الوطني للموارد الرقمية  ماي 2013

                                  • تقارير ودراسات :

                                    • العدالة الاجتماعية: مساهمة في التفكير حول النموذج التنموي” ماي 2018، المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.

                                    • تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول الانعكاسات الصحية والاجتماعية والاقتصادية لفيروس كورونا كوفيد 19 والسبل الممكنة لتجاوزها ، إحالة رقم 28/2020.

                                    • أكاديمية سوس ماسة، دراسة حول التعلم عن بعد والاستمرارية البيداغوجية بجهة سوس ماسة، أبريل 2020

                                    • المواقع الإلكترونية :

                                      • https://En.unesco.org/ covid19/educationresponse/conséquences

                                      • https://www.hcp.ma/Enquete-sur-l-impact-du-coronavirus-sur-la-situation-economique-sociale-et-psychologique-des-menages-Note-desynthese_a2506.html

                                        • مراجع باللغات الأجنبية :

                                        • Philippe Meirieu , Ce que l’école peut encore pour la démocratie Paris, Autrement, 2020

                                      فتح الدردشة
                                      هل تحتاج إلى مساعدة؟
                                      Scan the code
                                      مرحبًا 👋، كيف يمكننا مساعدتك؟